احتكاك العربية بغيرها من اللغات
احتكاك العربية بغيرها من اللغات
أتيح
للغة العربية من قبل الإسلام ومن بعده فرص كثيرة الإحتكاك بلغات أخرى من فصيلتها
ومن غير فصيلتها.
فقد
توثقت العلاقات المادية والثقافية منذ أقدم العصور بين العرب وجيرانهم الآراميين
في الشمال واليمنيين في الجنوب عن طريق التجارة والهجرة والرحلات فكان لزاما أن
تتأثر هذه اللغات إحداهما بالأخرى. وقد ظهر لكثير من المحققين أن الكلمات العربية
الدالة على مظاهر الحياة التي لم تكن مألوفة في البيئة العربية الأولى، معظمها قد
انتقلت إلى العربية من الآرامية مثل الكلمات المتعلقة بمنتجات الصاناعة وشؤن
التفكير الفلسفى والمتصلة بما وراء الطبيعية، كما قد انتقل إلى العربية كثير من
آثار اللغات اليمنية، غير أنه من المتعذر على ضوء معلوماتنا الضئيلة في هذا الصدد
أن نميز ما انتقل إلى العربية من اللغات اليمنية القديمة.
ثم
أدت الفتوح العربية بعد الإسلام إلى امتزاج العرب واحتكاكهم بكثير من الشعوب،
فاشتبكت لغتهم مع اللغات الآرامية في سوريا ولبنان والعراق، ومع القبتية بمصر، ومع
البربرية في شمال أفرقيا، ومع الفارسية بإيران، ومع التركية ببلاد المغول، ومع
القوطية بإسبانيا، حتى أصبحت المساحة التي تستخدم فيها العربية لغة حديث وكتابة
نحو 14 مليون كيلو متر مربع، ولكنها خرجت من هذا الصراع متأثرة باللغات التي
صرعتها تأثرا يختلف قوة وضعفا باختلاف اللغات. "فتأثرها بالسريانية مثلا كان
أظهر كثيرا من تأثرها بالقبطية والبربرية، بل أنها لم تكد تأثر بها بين اللغتين
الأخيرتين إلا فى اللهجات العامية في مصر وشمال أفرقيا. وقد انتقل إليها عن طريق
السريانية بعض كلمات يونانية كانت السريانية قد اقتباسها من اليونانية من قبل
(إنجيل، أسطوانة، أسقف، ناموس، أسفنج ...).
وصراع
العربية مع الفارسية قد ترك في كلتيهما آثار ظاهرة، فقد انتقل إلى كلتيهما من
الأخرى كثير من المفردات والأساليب ولأخيلة والتراكيب، ولكن أثر العربية فى
الفراسية كان أوسع نطاقا من أثر الفراسية فى العرابية. ويظهر هذا الأثر بشكل واضح
في ناحية المفردات، حتى أن معظم مفردات الفراسية الحديثة عربي الأصل. أما صراع
العربية مع التركية والغوطية فقد ترك في هاتين اللغتين آثارا واضحة من العربية،
فقد اقتسبت كلتاهما من العربية طائفة كبيرة من المفردات، على حين أن أثرهما فيها
لم يكد يظهر إلا في بعض اللهجات العامية المنشعبة عن اللغة العربية.
وتجاوز
نفوذ العربية إلى جميع الأمم الإسلامية الأخرى (باكتسان، الهند، أفغانستان،
ةتركستان، الكرد، بخرى ... إلخ) فأنزلت العربية عنده هذه الأمم منـزلة سامية،
لأنها لغة القرآن الكريم والحديث ولغة الكتب الدنية والتي يجب أن تؤدى بها كثير من
العبادات الإسلامية، فانتقل إلى هذه اللغات كثير من المفردات، فنحو 75% من
مفردات اللغة الأردية مثلا يتألف من كلمة عربية الأصل أو فارسية.
وفي العصور الحديث كثرت فرص الإحتكاك بين العربية
وبين اللغات الأوربية الحدييثة وتنوعت أسباب بفصل انتشار الثقافة الأوربية بمصر
والشام والعراق وشمال أفرقيا، وبفضل البعثات العلمية التي أوفدتها هذه البلاد إلى
الغرب، وترجمة منتجات الفرنجة إلى اللغة العربية. فتأثرت اللغة العربية بذلك أيما
تأثر في أساليبها وأخيلتها ومنهج علاجها للمسائل، وانتقل إليها كثير من المفردات
الأوربية في مصطلحات العلوم والفنون، فازدادت بذلك ثورة وقدرة على التعبير.
Komentar
Posting Komentar
Comments: